قد يكون سؤالي غريباً للبعض، ولكني فعلا ابحث عن الإجابة، هناك الكثير من الشركات والهيئات التي لا تتسم ببيئة عمل إيجابية ومحفزه، وما اعنيه هنا ليس الديكور وبعض الشكليات فقط، بل بيئة تعطي للموظف الراحة النفسية، والدافع لتقديم المزيد، وتساهم بشكل مباشر في تحسين انتاجيته وخلق علاقة إيجابية بينه وبين زملائه والمدراء.
ما لاحظته عند زيارتي للكثير من الشركات والهيئات هو الاغفال شبه التام لهذا العنصر الهام في العمل، واكاد لا أتذكر عدد الشركات التي فعلا لاحظت اتسامها ببيئة عمل إيجابية ومحفزه، ولكنني متأكد بانها لا تكاد تتجاوز العشرة شركات.
ان بيئة العمل الإيجابية والمحفزة مبنيه على عدة عناصر، وهناك الكثير من التجارب في هذا المجال، منها الفاشل ومنها الناجح، ولكن في وجهة نظري فقد جمعت اهم سمات بيئة العمل الناجحة وألخصها في النقاط التالية:
- مشاركة القيم والاهداف: من الضروري جداً عند أي إدارة هو توضيح الأهداف المرجو تحقيقها للموظفين، وأخذ آرائهم والتأكد من استيعابهم لها والايمان بها، وكذلك الاتفاق على قيم وقوانين معينه تحكم بيئة العمل، لضمان سير العمل بشكل إيجابي وخلق البيئة المثالية للموظفين وتعزيز التواصل بينهم.
- إزالة القيود وتعزيز الثقة: وهي نقطة هامة ومتشعبه، فبعد الاتفاق على القوانين والقيم والاهداف، يأتي دور إزالة القيود التي تحرم الموظف من الابداع والابتكار والمشاركة وتهدم الثقة بين الموظفين، ومن اهم العوامل التي تساعد على الإنتاجية والايجابية على حد سواء هو اتاحة الفرصة لكل موظف لأبداء الرأي والسؤال، فعلى سبيل المثال ان طرح احدهم فكرة لمشروع يمكن لأي موظف السؤال عن جدوى هذا المشروع او طرح فكرة مختلقة لأدارته او اقتراح لتطويره دون الخوف من الحساسيات وردود الافعال، وذلك لأنه قد تم الاتفاق مسبقاً على ان الهدف هو دفع عجلة العمل الى الامام والعمل الجماعي والتقبل من الطرف الآخر، وبذلك ينمو عنصر الابداع والابتكار والمشاركة لدى جميع الموظفين، مما ينعكس بشكل إيجابي كبير على اهداف العمل والموظفين كذلك.
- الشفافية وسهولة التواصل: بيئة العمل يجب ان تتميز بالشفافية في تبادل المعلومات، سواء كان ذلك بين الزملاء والمدراء على حد سواء، كذلك يجب ان تتميز بسهولة التواصل بين الموظفين، وسهولة التواصل بينهم وبين المدراء وتمكينهم من الحصول على الدعم الكافي منهم، إضافة الى الحصول على التوجيهات المناسبة بكل يسر وسهولة، وجزئية اتخاذ القرار مهمة جداً حيث ان سهولة الوصول الى صاحب القرار أمر مهم جداً للموظف.
- التحفيز: وهو يتخذ عدة اشكال أيضا، ولكن قبل التحدث عن التحفيز، يجب ان يتمكن الموظف من أداء عمله دون الاكتراث بالأساسيات التي من الضروري ان تتوفر له، مثل عدم توفر موقف لسيارة الموظف، او تعطل جهاز الكمبيوتر الخاص به، او ان الهاتف لا يعمل.. وهي مشاكل يعانيها الكثيرون من الناس يوميا والتي يجب على كل رب عمل عدم السماح بحدوثها من الأساس.
من انواع التحفيز هو عدم التضييق على الموظف وإلزامه بساعات عمل رسمية، وكذلك عدم السماح لأجواء العمل بخلق الضغوطات التي تؤثر عليه وعلى عائلته، فيجب ان تُتاح للموظف الفرصة للعمل بساعات عمل أكثر سلاسة او حتى من المنزل في بعض الأحيان بشرط تحقيقه للمهام المطلوبة منه، وكذلك اتاحة الفرصة للموظف لتغيير جزء من ديكور مكتبه وشكل المكان الذي يجلس به، فكل ذلك يساعده نفسياً على أداء عمله ويقربه من المكان.
- التقدير: وهو مهم جدا ومرتبط بالتحفيز ارتباطاً وثيقاً، فهناك التقدير المالي والترقيات، وهناك التقدير المعنوي، وكلاهما مهم، وهنا يوجد عنصر الابداع، فيمكن تقدير الموظف مثلا عبر اعطاءه أيام اجازه مدفوعة خارج رصيده، او الحاقه بدورات تدريبية تؤهله لأخذ مناصب أكبر واثراء خبرته وصقل مهاراته على ان تكون هذه الدورات مخصصة للمتميزين فقط، او تصميم برامج للتقدير مثل برنامج الموظف المثالي إضافة الى التكريم والتقدير العلني وكل ذلك يساهم في دفع الإيجابية بين الموظفين وخلق تنافس شريف بينهم، فهل تعلمون بأن هناك شركات تقوم بإعطاء عطلات مجانية للموظفين المتميزين ليسافروا وعائلاتهم الى اهم العواصم العالمية كتقدير على جهودهم وتميزهم في العمل؟!
- الديكور والتصميم العام: بيئات العمل الإيجابية تتميز بالديكور البعيد قليلاً عن الرسمية، فهناك غرف للاستراحة وللترفيه، وهناك عدة مرافق مثل حضانة للأطفال ومطاعم وكافتيريا وحتى صالة للياقة البدنية وحمام للسباحة، فشركة قوقل العالمية مثلا توفر طعاما مجانياً لموظفيها في الكافتيريا إضافة الى العديد من المميزات والمرافق الأخرى، وهناك شركات تقوم بتنظيم البطولات والمسابقات الرياضية والترفيهية المختلفة ليس للموظفين فقط، بل لعائلاتهم أيضا!
وعودة الى السؤال الذي قمت بسؤاله في بداية المقال، كم شركة وهيئة في وطننا العربي لديها بيئة عمل إيجابية ومحفزة؟ لدينا العقول والقدرات والامكانيات التي تمكننا من القيام بأفضل مما كتبته أعلاه، ولكن لماذا عدد الشركات والهيئات التي تقوم بالتركيز على بيئة العمل قليل؟ هل هي مشكلة أولويات؟ ام هو الخوف من التغيير وتجربة الجديد؟
في وجهة نظري ان المشكلة هي مشكلة تطبيق ثقافة بيئة العمل، فهناك الكثير من الأفكار الإبداعية التي كتبت على الورق، وظلت عليه.. بحجة ان الموظف قد لا يتقبّل التغيير، او بسبب عدم ثقة المسؤول بالموظف، وغيرها من الاعذار، نعم اسميها الاعذار، لأنه من الأساس.. ان لم يرتاح الموظف في بيئة عمله، فسيبحث عن عمل آخر يوفر له الراحة والتحفيز والتقدير! وان لم يكن الموظف مبدعاً في عمله فسيصبح العمل روتين وضغط نفسي يعانيه مجبراً كل يوم حتى يتخلص منه! المطلوب هو تغيير الثقافة، والمضي بتجربة الجديد.. فالصعوبة تكمن في الخطوة الأولى فقط.
وفي النهاية، اليكم قائمة بأفضل الشركات العالمية تميزاً في بيئة العمل لعام 2016:
- Airbnb
- Bain & Company
- Guidewire
- Hubspot
- Boston Consulting Group
- Nestlé Purina PetCare
- Zillow